حازم بدر
Published On 15/9/202515/9/2025
|آخر تحديث: 15:04 (توقيت مكة)آخر تحديث: 15:04 (توقيت مكة)
انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي
share2شارِكْ
حيث يسود الظلام التام، ويكاد الضغط يسحق كل شيء، كانت غواصة الأبحاث يتم تشغيلها عن بعد "دوك ريكتس"، التابعة لمعهد خليج مونتيري لأبحاث الأحياء المائية، تتجول في أعماق وادي مونتيري قبالة سواحل كاليفورنيا على عمق 3268 مترا تحت سطح البحر، حيث ظهر فجأة في عدسة الكاميرا الخاصة بها كائن صغير بلون وردي باهت يسبح بهدوء.
للوهلة الأولى بدا الأمر للباحثين المشاركين في هذه المهمة أنهم أمام مشهد عابر، لكنه في الحقيقة، كان بداية لقصة علمية مثيرة، إذ لم تكن هذه السمكة الغامضة مجرد مخلوق عادي، بل كانت البوابة لاكتشاف أنواع أخرى من الكائنات البحرية، التي تعيش في أعماق لم يطرقها العلم من قبل.
وتميزت السمكة العجيبة، إضافة للونها الوردي المميز، بصفات فريدة، إذ كانت برأس مستدير وعينين كبيرتين وجسم مميز الملمس، ورغم أن الشكل بدا غريبا، ويعد بالعثور على اكتشاف جديد، فإن الباحثين تريثوا، وتم جمع عينة من هذا النوع بواسطة الذراع الآلية بالمركبة، لفحصها في المختبر، وكانت أنثى لا يتجاوز طولها 9 سنتيمترات.
وإليك الفيديو الذي سجله العلماء كما نشره المعهد في بيان صحفي رسمي:
دراسة متفحصة
لم تكن المهمة في المختبر سهلة، إذ إن الإعلان عن اكتشاف نوع جديد هو عملية معقدة للغاية، وتتطلب دلائل قوية ليس بها أي مجال للشك، واستعان العلماء في أدائها بخبيرة أسماك الأعماق، الدكتورة ماكنزي غيرينغر من جامعة ولاية نيويورك، التي كرست حياتها لدراسة الكائنات القادرة على العيش في أقسى الظروف.
وتعاون فريقها مع باحثين من جامعتي مونتانا وهاواي، واستخدموا أحدث الوسائل العلمية، وهي الميكروسكوب لملاحظة التفاصيل الدقيقة لشكل الرأس والزعانف والفم، التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد لرؤية البنية الداخلية والعظام بدقة عالية، وتحليل الحمض النووي لمقارنة التسلسل الجيني مع الأنواع المعروفة من أسماك الحلزون حول العالم.
إعلان
كانت النتيجة مذهلة، وهي أن السمكة الوردية لم تكن معروفة من قبل، وأن ما اكتشفوه يمثل نوعا جديدا تماما أطلقوا عليه اسم "السمكة الحلزونية الوردية ذات البروزات".
3 كائنات بدلا من واحد
ولم تنته المفاجأة عند هذا الحد، فبعد أن تأكد الباحثون من أنها نوع جديد تماما، بدأ الفضول يقودهم إلى خطوة غير متوقعة، وهي العودة إلى أرشيفهم الضخم المليء بمقاطع الفيديو والصور التي سجلتها مركبات الغوص في السنوات الماضية، وكان السؤال الذي يسعون للإجابة عليه هو: هل سبق أن مرت أمام أعيننا كائنات مشابهة ولم ننتبه إليها؟
وبينما أعاد العلماء التدقيق في المشاهد القديمة، تكشفت أمامهم مفاجأة مذهلة، فوسط اللقطات المظلمة لأعماق المحيط، ظهرت سمكتان أخريان مختلفتان تنتميان للعائلة نفسها (أسماك الحلزون)، وهكذا خرجوا من قصة "سمكة واحدة غامضة" إلى اكتشاف 3 أنواع جديدة بالكامل، وأعطوا السمكتين الأخريين اسم "السمكة الحلزونية السوداء" و"السمكة الحلزونية الانسيابية"، وتم الإعلان عن هذا الاكتشاف المهم في دورية "إكثيولوجي آند هيربتولوجي".
وتضاف هذه الأنواع الثلاثة إلى العائلة الكبيرة لأسماك الحلزون، التي تضم أكثر من 400 نوع يعيش بعضها في أحواض المد الضحلة، بينما يسكن بعضها الآخر أعمق خنادق البحار على الكوكب.
وتقول الدكتورة ماكنزي غيرينغر في تقرير نشره موقع معهد خليج مونتيري لأبحاث الأحياء المائية: "اكتشاف 3 أنواع جديدة في رحلة واحدة يذكرنا بمدى غنى الحياة في أعماق المحيط، وبأننا ما زلنا نكتشف فقط جزءا صغيرا مما يختبئ في هذه البيئات القاسية".
حدود لفضاء مختلف
هذا الاكتشاف لا يضيف مجرد أسماء إلى قائمة الأنواع البحرية، بل يحمل دلالات أوسع، فهو أولاً يؤكد أن أعماق البحار لا تزال غير مستكشفة بالقدر الكافي، وأن آلاف الأنواع ربما تنتظر الاكتشاف.
وثانيًا، يوضح الكشف كيف تساعدنا التقنيات الحديثة، من الروبوتات الغاطسة إلى التحاليل الجينية، على تجاوز الحدود التي كانت مستحيلة قبل عقود.
وأخيرا، يلفت هذا الكشف الانتباه إلى هشاشة النظم البيئية العميقة؛ فهي قد تتأثر بتغير المناخ، التلوث، أو نشاط البشر، رغم بعدها الظاهري عن السطح.
بالنسبة للعلماء، يشكل البحر العميق آخر الحدود على كوكب الأرض. وعلى غرار الفضاء الخارجي، فإن استكشافه لا يكشف فقط عن تنوع مذهل، بل يعطينا أيضًا أدلة على قدرات الحياة على التكيف في ظروف قصوى.
هذه المعرفة قد تمتد فائدتها إلى علوم أخرى، مثل الطب الحيوي أو البحث عن الحياة خارج الأرض، حيث البيئات القاسية قد تكون القاعدة لا الاستثناء.
0 تعليق