رغم المساعدات التي قدمتها إيران للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة لإسقاط حركة طالبان الأفغانية، فإنها استقبلت كثيرا من المقاتلين والعوائل التي فرت إليها بعد سقوط البلاد في يد القوات الأجنبية.
ولم يطلب الإيرانيون مقابلا لذلك، وكان ما قدموه بدافع إنساني ولكي تبقي على خيط مع طالبان في الوقت نفسه، لكنهم سلموا لاحقا كثيرين منهم لدولهم، بل وللولايات المتحدة، كما قال المفتي السابق للقاعدة الشيخ محفوظ ولد الوالد، لبرنامج "مع تيسير".
فبعد معاناة ومخاطر جمَّة، تمكن ولد الوالد، من الوصول إلى إيران بعدما سقطت مدينة قندهار، آخر معاقل طالبان، بيد قوات التحالف الغربي. ولم يكن الوصول إلى هذا المكان رحلة بسيطة ولا آمنة.
فقد تخلل هذه الرحلة الكثير من العقبات الأمنية ولعب المهربون فيها دورا كبيرا، حتى تمكن ولد الوالد من الوصول إلى إيران ضمن مجموعة تم تهريبها على مراحل، وكان هو آخر من وصل.
ووفقا لما قاله ولد الوالد، فقد عبر من أفغانستان إلى باكستان التي غادرها بأعجوبة إلى إيران، وهناك استقبله مسؤولون كبار رفض الإفصاح عن هوياتهم.
وعندما وصل المفتي السابق للقاعدة إلى مدينة زاهدان المحادية لباكستان، نزل في مضافة قال إنها تابعة لمقربين من السلطتين الدينية والسياسية.
وبات ولد الوالد ليلته الأولى في هذه المضافة ثم نقل إلى أخرى في اليوم التالي وطلب الحصول على هاتف للتواصل مع أصدقائه في باكستان، لكنهم أبلغوه بأن عليه الجلوس مع مسؤول أمني قبل ذلك.
اتفاق على استقبال الفارين
وعندما التقى ذلك المسؤول طلب منه المساعدة في نقل من تبقى في باكستان وبينهم نساء وأطفال وتسفير من يمكن تسفيرهم، فوافقوا، لكنهم أبلغوه بأن الحصول على هاتف خاص (هاتف ثابت) قد يكون غير آمن، ووفروا له التواصل عبر هواتف عمومية.
وهكذا، تواصل المفتي السابق للقاعدة مع آخرين في باكستان واتفق معهم على عدم مخالفة ما تم التوافق عليه مع السلطات الإيرانية، والذي كان يتلخص في عدم ممارسة أي نشاط، لأن الأمر كان يمثل مخاطرة كبيرة لإيران.
وكانت المخاطرة الإيرانية محسوبة، لأنهم وضعوا قدما مع التحالف الأميركي في أول الغزو وزودوه بمعلومات مهمة، ثم حاولوا الإبقاء على شعرة مع طالبان أيضا تحسبا لتغير الأمور مستقبلا.
إعلان
كما حاولت طهران من خلال هذا العمل اجتذاب عناصر مهمة كورقة يمكنهم المساومة بها في أي تطور لاحق، حسب تقدير ولد الوالد، الذي أكد أن هذا لم يحدث لاحقا، وإن كانت قد سلمت البعض لترضية دولهم.
ورغم قناعته بهذا التصور، استنادا إلى سياسة إيران التي تقوم على المصالح بالدرجة الأولى، إلا أنهم أحسنوا استقبال واستضافة الفارين من أفغانستان في نهاية المطاف.
وبالفعل، كانت مجموعات قد بدأت الدخول فعليا لإيران تهريبا عبر الحدود، وكانت السلطات على علم بذلك لكنها غضت الطرف عنهم، لأنها تعتمد على هذه الطرق غير القانونية في استقبال أو ترحيل كثيرين، كما يقول ولد الوالد.
وكان الإيرانيون -وفق المتحدث- يتفهمون الظرف الإنساني الذي يمر به الفارون من أفغانستان فقرروا غض الطرف ومساعدتهم خصوصا أنها قدرت أنهم لن يمارسوا عملا يضعها في مأزق وهم يعانون ما يعانون.
لكن الدخول إلى الأراضي الإيرانية لم يكن سهلا، لأن السلطات كانت تضع كاميرات وتدابير أمنية مشددة على الحدود، وكان على الهاربين تجاوز هذه الأمور.
بيد أن حكومة طهران كانت توفر لهم التسهيلات وتطلق سراح من يتم توقيفه منهم بشكل غير معلن لأنها كانت حريصة على عدم ثبوت مساعدتهم في حال تم اعتقال أي منهم في بلده أو بلد آخر لاحقا، وقد فعلوا هذا من دون مقابل، حسب المفتي السابق للقاعدة.
ومع ذلك، رفض بعض الفارين من أفغانستان التعامل مع الحكومة الإيرانية مباشرة لأنهم كانوا يرون أنها "أشد خطرا من الأميركيين"، ولهذا فضلوا التعامل مع المهربين، ولم يرفض الإيرانيون ذلك وسمحوا لهؤلاء بالهرب إلى بلد آخر عبر أراضيهم.
لكن ولد الوالد، لمس أن الإيرانيين يحاولون الوصول إلى بعض البلوشستانيين الذي كانوا يدعمون القاعدة، وقد سبب له هذا الأمر إزعاجا، ودفعه لعدم التواصل مع البلوش بعدما تأكد أنه مراقب بشكل دائم.
وبعد فترة، أعلن الأميركيون مقتل ولد الوالد في غارة جوية، وقد اعتبر الإيرانيون هذا خبرا جيدا لأنه سيقلل تتبعه، وطلبوا منه السفر إلى طهران، حيث تزايدت الأعداد التي وصلت من أفغانستان.
فوضى واعتقالات
وخلال هذه الفترة، وصلت أسماء كبيرة من قيادات طالبان والقاعدة إلى إيران، كانت واشنطن قد عرضت ملايين الدولارات لمن يساعد بالكشف عن أماكن وجودهم، وبدأ الحديث عنهم يتزايد بسبب تواصلهم مع أصدقاء وأقرباء في بلادهم، حتى وصل الأمر إلى فوضى يقول ولد الوالد إنها تشبه التي كانت سائدة في أواخر عهد طالبان.
وأمام هذه الفوضى، سحب الإيرانيون ولد الوالد إلى طهران، خشية تعرضه للخطر، وشرعوا باعتقال كثيرين ممن خالفوا من تم الاتفاق عليه، وما لبث الأمر أن تحول لحملة اعتقالات واسعة ضد جميع الرجال من جانب الاستخبارات الإيرانية.
وبعد التحقيقات، تم نقلهم إلى سجون في طهران، في حين نقلت النساء والأطفال إلى فندق "حويزة"، وبدأت وسائل الإعلام المحلية تتحدث عن اعتقال متسللين من باكستان ودعت المواطنين للإبلاغ عنهم، ثم بدأ الحديث عن تواصل مع الدول لتسليمها مواطنيها الموجودين عندها، وفق ولد الوالد.
في الوقت نفسه، لم يسلم الإيرانيون قادة الجهاد لكي يبقوا على علاقة بهذه الحركات، ثم سلموا آخرين لدول أرادوا ترضيتها مثل السعودية واليمن، كما سلموا الولايات المتحدة -عبر بريطانيا- مجموعة من المجاهدين لحكومة حامد كرزاي التي سلمتهم لواشنطن وانتهى بهم الأمر في غوانتانامو.
إعلان
وعزا ولد الوالد هذا السلوك لوجود صراع بين تيار محافظ كان يدعم حماية هؤلاء المقاتلين نكاية في الولايات المتحدة، وتيار آخر إصلاحي كان يريد تهدئة الخلافات مع الغرب.
ولاحقا، تم جمع كافة المعتقلين في سجن "كرج"، ووضعوهم في عنبرين مفتوحين على بعضهما، وتركوهم يمارسون حياتهم، حتى إن ولد الوالد قال إن السجن في إيران "كان أفضل من الحرية في أي بلد آخر".
وكانت الحكومة الإيرانية -حسب ولد الوالد- تبرر اعتقال هؤلاء بأنهم دخلوا إلى أراضيها بطرق غير قانونية، وقد أحالت من يريدون العودة لبلادهم إلى محاكم أصدرت أحكاما بترحيلهم، أما من من رفض الرحيل مع عائلاتهم إلى بلادهم فقررت إيران ترحيلهم إلى باكستان عبر المهربين.
وبالفعل وصل هؤلاء جميعا مع المهربين وتأكد الإيرانيون من خروجهم، ثم عادوا مع نفس المهربين إلى إيران مجددا، لكنهم لم يرتكبوا الأخطاء السابقة، وتمكنوا من الاختفاء لفترة بمساعدة كثيرين من السنة الإيرانيين.
0 تعليق