ناشط وصحفي إيطالي، ولد عام 1975 وقتل عام 2011. كرس حياته للتضامن مع الفلسطينيين وتوثيق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم.
عرف بمواقفه الإنسانية، واعتاد أن يختم شهاداته التي نشرها على مدونته الخاصة بعبارة لاقت صدى بعد رحيله وهي "حافظوا على إنسانيتكم".
المولد والنشأة
ولد فيتوريو أريغوني -المعروف بلقب "فيك"- يوم 4 فبراير/شباط 1975 في بلدة بولشياغو شمالي إيطاليا، ونشأ في عائلة مناهضة للظلم؛ إذ شارك جده وجدته في مقاومة النظام الإيطالي الفاشي أثناء الحرب العالمية الثانية.
شغلت والدته إجيدا بيريتا منصب عمدة البلدة سنوات عدة، بينما كان والده يعاني من المرض قبيل مقتل ابنه. وله شقيقة واحدة تدعى أليساندرا.
وقد أسهمت عائلته ذات التوجه المقاوم في تكوين شخصيته، إذ أشار إلى هذا الأثر في كتاب نشره، وجاء فيه "هناك جزيئات في حمضي النووي، في دمي، تدفعني للنضال من أجل الحرية وحقوق الإنسان".
التجربة النضالية
وصل أريغوني قطاع غزة لأول مرة عام 2008 على متن رحلة بحرية نظمتها حركة التضامن العالمية وحركة "غزة الحرة". وشارك في تلك الرحلة قاربان صغيران أُطلق عليهما اسما "الحرية" و"غزة حرة"، وحمل على متنهما إمدادات طبية، ونحو 44 ناشطا من 17 دولة مختلفة.
في أغسطس/آب من العام نفسه، رسا القاربان على شواطئ غزة، ومثّلا أول رحلة ناجحة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على المياه الإقليمية للقطاع منذ عام 1967.
تضمن جدول الرحلة -الذي استمر 6 أيام- زيارات للمؤسسات الصحية والتعليمية في القطاع، إضافة إلى مرافقة الصيادين الفلسطينيين أثناء عملهم في المياه الإقليمية لحمايتهم من اعتداءات الجيش الإسرائيلي.
وعند مغادرة الحملة القطاع، تطوع أريغوني رفقة 9 نشطاء آخرين للمكوث ومواصلة العمل في مجال حقوق الإنسان، إلا أن البحرية الإسرائيلية اعتقلته لاحقا أثناء إبحاره مع الصيادين، ثم رحّلته إلى بلده.
في يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2008، تمكنت حركة "غزة الحرة" من الوصول إلى قطاع غزة في رحلتها الخامسة، وكان على متنها وفد من دولة قطر، رفقة 3 نشطاء في مجال حقوق الإنسان تطوعوا للبقاء في قطاع غزة بعد مغادرة السفينة، ومن بينهم أريغوني.
إعلان
جاء تطوع أريغوني على إثر نشاطه في حركة "التضامن الدولية"، التي تُعنى بدعم المقاومة الفلسطينية السلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي، عبر العمل الميداني الذي ينفذه متطوعون دوليون ومحليون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
حاز الناشط الإيطالي على شعبية واسعة بين أوساط الصيادين الغزيين، نظرا لعمله الوثيق معهم ومرافقته لهم في رحلاتهم البحرية، التي كانت تتعرض باستمرار لتهديدات البحرية الإسرائيلية.
كما أقام علاقات متينة مع المزارعين الفلسطينيين، إذ شاركهم احتجاجاتهم ومظاهراتهم ضد محاولات الاحتلال الاستيلاء على أراضيهم القريبة من السياج الفاصل شرق القطاع.

وفي بداية إقامته بالقطاع عام 2008 شهد اندلاع "حرب الفرقان"، فلم يتردد في تقديم الإسعافات الأولية للمصابين جراء القصف الإسرائيلي، كما رافق سيارات الإسعاف لمنع الطائرات الإسرائيلية من استهدافها مستثمرا صفته ناشطا دوليا.
وقد شرح سلوكه هذا في كتابه قائلا "لم نلذْ بالفرار كما نصحتنا قنصلياتنا لأننا مدركون أن إسهامنا عبر وجودنا في سيارات الإسعاف يمكن أن يكون حاسما في إنقاذ الأرواح".
بين عامي 2008 و2011، ثلاث سنوات قضى الناشط "فيك" معظمها في قطاع غزة، شهد أثناءها على انتهاكات إسرائيلية متكررة بحق الفلسطينيين، ووثقها في مقالات دورية نشرها في صحيفة "إل مانيفيستو" الإيطالية، وفي مدونته الخاصة.
المؤلفات
عقب اندلاع "حرب الفرقان" عام 2008 على قطاع غزة، كان فيتوريو أريغوني يتطوع على الأراضي الفلسطينية، مما جعله شاهدا على مجريات الحرب والانتهاكات الإسرائيلية التي رافقتها.
ووثق شهاداته شبه اليومية في صحيفة "إل مانيفيستو" الإيطالية وعلى مدونته الخاصة. ثم جمع هذه الشهادات -التي توزعت على 20 تقريرا- في كتاب أصدره باللغة الإيطالية عام 2010 بعنوان "غزة: حافظوا على إنسانيتكم".
وقد تُرجم الإصدار لاحقا إلى لغات عدة، منها اللغة العربية. ويبدأ الكتاب بمقدمتين، إحداهما كتبها المؤرخ الإسرائيلي المعادي للصهيونية إيلان بابيه، والأخرى كتبها أريغوني نفسه، ووصف فيها مجموعة مقالاته بما تقدمه من شهادات قاسية بـ"الملطخة بالدماء، والمشبعة بالفوسفور الأبيض".
كانت أولى تدويناته أثناء الحرب تقريرا بعنوان "غرنيكا في غزة"، استحضر فيها لوحة غرنيكا الشهيرة للفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو، لما تجسده من مشاعر الألم الإنسانية جراء الوحشية والدمار في العالم. وقد قارب الكاتب اللوحة مع آثار القصف على القطاع في اليوم الأول من العدوان.
وعقب انتهاء الحرب كتب أريغوني 3 تدوينات عناوينها "استمرار بؤرة الكارثة" و"جرائم حرب في غزة" و"فليأتوا إلى غزة"، سلط فيها الضوء على النتائج التي خلفتها الحرب في القطاع.
كما قدم قراءة تحليلية للمشهد السياسي، تطرق فيها إلى دور الحكومة الإسرائيلية في تأجيج الصراع، ودعا إلى ضرورة تحرك المجتمع الدولي لمحاسبة المسؤولين.
مقتله
في 14 أبريل/نيسان 2011 خطفت جماعة سلفية تطلق على نفسها "سرية الصحابي محمد بن مسلمة" الناشط أريغوني، وطالبت عبر مقطع فيديو الحكومة الفلسطينية في القطاع بالإفراج عن عدد من معتقليها في مهلة محددة، وعلى رأسهم زعيمها هشام السعيدني، مقابل الإفراج عن الناشط.
إعلان
ظهر أريغوني في المقطع المسجل معصوب العينين وآثار الضرب على وجهه، بينما أرفق المقطع بعبارة "ما دخل ديارنا إلا لإفساد العباد والبلاد ومن ورائه دويلة الكفر إيطاليا".
وقبل انقضاء المهلة بساعات، قتل المختطفون فيتوريو أريغوني وعمره 36 عاما داخل شقة شمال قطاع غزة.

مسيرة جماهيرية
وفي أعقاب الحادثة خرجت مسيرة جماهيرية في القطاع شارك فيها نحو ألفي شخص رُفعت فيها لافتات كتب عليها "لا للإرهاب" و"فلسطين لن تنساك".
وفي السياق ذاته، تعهد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود الزهار بمعاقبة الجناة، مؤكدا عمق العلاقة التي تربط الفلسطينيين والمتضامنين الدوليين.
وأنشأت والدة أريغوني -تخليدا لذكراه- مؤسسة غير ربحية أطلقت عليها اسم "فيك يوتوبيا"، لمواصلة عمل ابنها في "خدمة الصالح العام وحقوق الإنسان والعدالة".
كما شيد مجموعة من المتطوعين مدرسة حملت اسم أريغوني في منطقة رأس العوجا بالأغوار الجنوبية المحتلة.
وفي نهاية عام 2012، أصدرت المحكمة العسكرية التابعة لحكومة غزة أحكاما بحق المتورطين بخطف ومقتل أريغوني، إذ قضت بالسجن المؤبد على اثنين منهم، فيما حكمت على اثنين آخرين بالسجن 3 سنوات وسنة واحدة.
0 تعليق