كتب / سامح عريان
تحدَّثْتُ فى المقالة السابقة عن علاقة «الظاهر بيبرس» الإيجابية بالبيزنطيين، إذ توطدت العلاقات بين مصر وبيزنطة وتبادلت الدولتان الوفود السياسية. كما أقام «الظاهر بيبرس» عددًا من العلاقات السلمية والتجارية مع بعض الإمارات الأوروبية. وقد توفى «الظاهر بيبرس» سنة ٦٧٦هـ (١٢٧٧م) ووردت روايتان فى سبب وفاته؛ تشير إحداهما إلى أنه مات متأثرًا بجراحه أثناء حملته الأخيرة على بلاد الأناضول، بينما تذكر الأخرى أنه مات مسمومًا.
وكان رأس الكنيسة القبطية فى عهد «الظاهر بيبرس» هو البابا «أثناسيوس الثالث»، البطريرك ٧٦ للكرسى السكندرى، وقد تنيّح عام ١٢٦٢م، وخَلَفَه على كرسى الإسكندرية «البابا يوحنا السابع»، و«البابا غبريال الثالث».
لم يجلس بطريركان على كرسى مار مرقس الرسول بالإسكندرية فى وقت واحد إلا فى هذه الفترة؛ وقد ذكر أن كليهما من مصر، وقيل أيضًا إن البابا غبريال كان قبطيًّا عاش ببلاد الشام. فعندما تنيَّح «البابا أثناسيوس الثالث» عام ١٢٦٢م ظهر مرشحان للبطريركية: «يوحنا بن أبى سعيد»، والراهب «غبريال ابن فخر الكفاءة» ابن أخت «أنبا بطرس»، أسقف طنبدى. ولما تساوت أصوات الأساقفة بينهما واشتد الخلاف بين الفريقين، اتفقوا أخيرًا على إجراء القرعة الهيكلية، فخرجت باسم «غبريال»، إلا أن الفريق الآخر لم يقبلها. ويذكر القس «منسى يوحنا» فى ذلك:«فاقترع الفريقان على أيهما يولى فوقعت القرعة باسم غبريال ومع ذلك فلم يرض الحزب الآخر ونهض منازعًا غبريال وكان جله من عظماء الأمة فعمدوا إلى استرضاء الحكام ليعضدوهم فى أمر انتخاب يوحنا حتى تقووا وثبت قدمهم فتمكنوا من إقامته بطريركًا».
البابا يوحنا السابع (١٢٦٢-١٢٦٨م)
تولى «البابا يوحنا السابع» إدارة شؤون الكنيسة مدة ست سنوات وبضعة أشهر، لم يتوقف خلالها النزاع بين أنصاره وأنصار «غبريال». ثم اشتد ساعد حزب «غبريال» فتمكنوا من عزل «البابا يوحنا السابع» ووضعه فى أحد الأديرة؛ ثم أقاموا «غبريال» بطريركًا باسم «غبريال الثالث».
البابا غبريال الثالث (١٢٦٨-١٢٧١م)
بدأ «البابا غبريال الثالث» تدبير أمور الكنيسة مدة سنتين وشهرين، قام خلالهما بعمل الميرون المقدس بدير أنبا مقاريوس. ولم تخل فترة رئاسته من الفتن والتحزبات. كما ألزمت السلطنة المسيحيين واليهود بعدد من الأحكام، منها أن تكون العمائم باللون الأزرق والمراكيب باللون الأحمر، وغير ذلك؛ فيذكر النويرى: «وأمرَ السلطان أن يُميَّز أهل الذمّة بعمائمَ زُرق، وأن لا يركبوا الخيل، ولا يلبسوا السلاح، ولا يتزيَّوا بزيِّ المسلمين». وأغلقت الكنائس فى مصر إلا الأديرة والكنائس فى الإسكندرية وبعض البلاد، إلى أن تشفع الإمبراطور ميخائيل الثامن، ففتحت كنيسة السيدة العذراء بالمعلقة، وكنيسة رئيس الملائكة ميخائيل، فيذكر ابن تغرى: «وكان الظاهر رجبًا على أهل الذمة، شديدًا فى معاملتهم، لا يُمكّن أحدًا منهم من مخالفة شيء مما فُرض عليهم من الشروط العمرية، ولا يترك لهم سبيلًا إلى إظهار شىءٍ من دينهم إلا على قدر ما تقرّر لهم. وأجرى الحكم فيهم بأن لا تُفتح كنيسة إلا بإذن سلطانى، وأن كل كنيسة تُجدّد بغير إذن تُغلق أو تُهدم. وجرى بذلك الكتب إلى سائر البلاد المصرية والوجهين البحرى والقبلى، فعُملت الأحكام عليهم» ويذكر أن البابا «غبريال الثالث» عزل، وأعيد «البابا يوحنا السابع» إلى كرسيه بأمر السلطان. وقد تنيح «البابا غبريال الثالث» فى فترة رئاسة البابا «يوحنا السابع» ودفن فى مصر القديمة، لذلك يُعد سابقًا له فى ترتيب البطاركة ليصبح البطريرك ٧٧ فى بطاركة الكرسى المرقسى. وقد عاصر البابا «غبريال الثالث» السلطان «الظاهر بيبرس».
البابا يوحنا السابع (١٢٧١- ١٢٩٣م)
عاد «البابا يوحنا السابع» إلى كرسيه ومقره بإجلال كبير. وقد ذكر عنه أنه كان ذا قدر عال، واسع المعرفة، جليل العلم، فأدار شؤون الكنيسة على أفضل وجه، واهتم بأمر إزالة الفرقة بين الأحزاب المتنازعة حتى تحقق له ذلك، فأحبه الجميع.
وما زال الحديث فى «مصر الحلوة».. لا ينتهى!
* الأسقف العام
رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى