عاجل

دردشة مع الشاعر فارس سباعنة: أزمتي مع المكان أنتجت حاجتي للشِعر! - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

حاوره زياد خداش:

 

أول يومٍ ألتقيه، كان قرب ضريح محمود درويش في أعلى التلة، في مساء فقد حزين، صيف 2008.. قرأ بجرأة وبأداء صوتي مبهر قصيدة عمودية متينة، ثم اختفى، وراح الكلّ يسأل من هذا الفتى؟ عرفناه جميعاً فيما بعد، قارئاً ذكياً وراصداً متأملاً للمشهد الثقافي، وصريحاً في ملاحظاته، حارّ المشاعر حين يكتب النص المختلف المثقف، في رصيد الشاعر فارس سباعنة عدد من الدواوين، وكثير من الأمسيات.. هذه دردشة معه:


* فارس بعد عدّة كتب شعرية وأكثر من أمسية، ما حصاد ذلك؟
- إذا كان سؤال الحصاد حول المرابح، فحصاد ذلك سيئ مالياً، ولا أنصح الراغبين بجمع الأموال أن يتجهوا إلى دراسة الهندسة الشعرية، "مع أن آفاق المكاسب واسعة لمن يبيع كرامة الموهبة".
فإذا تجاهلنا الصراع المزمن الذي يعيشه الإنسان بين كونه موهوماً أو موهوباً، وتجاهلنا الزيادة الطردية في ساعات الشرود مع تقدم العمر، والخوف الدائم من مسّ الجنون، يمكنني القول إن الشعر هو الذي كوّنني، فأنا لم أحصد الشعر، بل وجدتُ نفسي أعمل عنده بطريقة أو بأخرى.
والشعر على الصعيد الاجتماعي، عرّفني على أشخاص كثيرين، وفتح مواضيع شيقة بيني وبين زياد خداش أثناء جلوسنا في المقهى، كما أنه غفر لي عيوباً كثيرة عند أصدقائي، لأنه يحقّ للشاعر ما لا يحق لغيره حين تتوفر المحبة.
أعطاني الشعر ساعات من المتعة الخاصة حين أشتبك مع الفنون الجميلة، أو حين أفهم كاتباً يقول فكرة جديدة ومثيرة، لكنّ الحصاد الذي أعتبره الأثمن، هو النظر إلى اللغة باعتبارها صندوق عدة، فيعجبني الشعور بأنني "صنايعي" خصوصاً حين أسمع خطبة دينية أو خطاباً سياسياً، وذلك كله يُضاف إلى الطباعة بسرعة على الكيبورد.

 

* أن تكون شاعراً فلسطينياً تحت احتلال.. ماذا يعني ذلك؟
- لا أظنني سأكون شاعراً لو لم أكن فلسطينياً، لقد نشأت حاجاتي الشعرية بسبب أزمتي مع المكان، ولو كنتُ شاعراً غير فلسطينيّ قد تكون لي أزمة مع مكان آخر، لكنّ عالم الكلمات يشتبك مع القضية الفلسطينية بوصفها صراعاً على التاريخ والمستقبل، أي أنه صراع على الكلمات ومعها، أو أنه صراع على المكان بلغة الزمان، ما يجعل الاشتباك دموياً بين الوقت والتاريخ، ويجعل العلاقة مسمومة في كثير من الأحيان بين اللغة والهوية.
فهل ذلك يعني أن القضية عبء على أكتاف القصيدة ؟ أم أن القضية أرض تحت أقدام القصيدة؟ لا أعرف.

 

* أنت من قباطية وتعيش في رام الله، وأهلك في أوروبا.. ثلاث هويات حادة، كيف تتعامل معها شعرياً وإنسانياً؟
- رام الله هي المرفأ الذي أحبّ أن تحط فيه سفينتي، وقباطية هي السلالة والذاكرة التي توبخني حين أجبن، أو أشتكي من قسوة الحياة، وأوروبا حالياً هي "دار سيدو" التي تسأل عنها ابنتي "يافا": "ليش ما نروح عندهم؟"، فلا أعرف كيف أشرح لها مسألة فيزا "الشنغن"، أما أزمات هويتي ومشاكلي مع المدن والأماكن، فأظنها أعقد من ذلك بكثير، وهي السبب أنني عزمت الرحيل للسكن في الكلمات أو العيش في رأسي.
* قلت لي مرة إنك تكتب الآن في رواية، لن أسألك السؤال التقليدي، لماذا يهرب الشعراء للرواية، سؤالي هو: ما الذي عجز الشعر عن مساعدتك فيه؟
- عجز الشعر عن التخلص من أنانيته، أو من نرجسية الكلمات التي ينسبها الشاعر إلى نفسه كمتكلم، لم أستطع التحلل في شخصيات الرواية، ولم أجد المتعة الكافية في تقمص أشخاص آخرين في الظروف الروائية التي خلقتها، ظلت شخصياتي تتصرّف ضمن حدود وظيفتها في مشروع الرواية السياسي، كنتُ مديراً في الوظيفة العمومية وكانت الشخصيات تعمل عندي، وذلك لم يكن مبشراً بعمل جيد، حتى لو استخدمتُ سرداً جيداً، ربما لأن العمل كله كان سعياً إلى طرح سياسي، أو هرباً من طرح آخر، لم يكن رغبة في تأليف حكاية، لا أعرف

.

* أنت متزوج من الشاعرة سنابل قنو، بالتأكيد هذا طبيعي ومن حقك. ولكن هل يحبّ الشعر ذلك؟
- سنابل تسمعني باهتمام حين تجدني مضطرباً لأن قصيدتي الجديدة ناقصة، وأنا أيضاً أسمعها باهتمام حين تشكو من اعتداء البنات (يافا، وليلى) على أوقات قراءتها وتأملها، نتابع أعمالاً درامية أو سينمائية معاً ونتفلسف على بعضنا في جودة السيناريو وقوة الحبكة، لكنّ الزواج عموماً يضعك في مكان غير محبب لنفس الشاعر، أي البحث عن المال، وذلك يكلّفك تنازلات كثيرة عن معانيك العدمية، ويدفعك إلى التورط كائناً متلوناً في سخريتك السوداء.
وجدتُ الشعر في تجربتي مكاناً ليس صالحاً لحياة كاملة، هناك الشعريّ وهناك البشريّ، حين تركض بسرعة وتصطدم في حائط ستكتشف من آثار الاصطدام أنك لستَ شبحاً، حتى لو عشتَ سنوات مقتنعاً بأن القرار السليم من أجل المرور الآمن خلال هذا العالم هو عدم التورط فيه بشكل جدّي، وعدم التورّط بالقيود القانونية والأخلاقية التي يفرضها عليك الزواج، لكن ذلك لا ينفع دائماً.

 

* هل ثمة خطة للنجاة يا فارس؟
- المنظومة في فلسطين كلّها معطلة، سوف تجد موسيقياً يعمل ممرضاً، وتجد شاعراً يعمل في الحسبة وآخر في القضاء، والأمر لا يختلف عن الذي يعمل مدرساً أو صحافياً أو موظفاً في وزارة الثقافة، فالمنظومة معطلة، لأن هذا النظام السياسي لا يريد أن ينجح، أو يخاف من النجاح، فقد عمل قادته ومسؤولوه بدأب كي ينجحوا هم في حيواتهم بدلاً من النجاح في مهماتهم.
أما خطتي النفسية لمواجهة هذا العطل، هي أنني أتعلّم، وأدخل عوالم لا تتيحها لي حياة الشعراء التقليدية، حاولتُ وفكرتُ كثيراً في صناعة الثقافة، وتحويلها إلى منتج له قيمة اقتصادية، وكتبتُ عن النظر إلى الثقافة بوصفها عملية إنتاجية تمر في مراحل، فإذا كان لهذا الكتاب قيمة، فهناك بالضرورة من يرغبون باقتنائه، لكنهم لا يعرفون بوجوده، كذلك في المسرح والموسيقى والسينما، والعمل في القضاء ليس سيئاً على العملية الإبداعية فهو يقرّبك من مشاكل الناس الحقيقية، ويعرضك إلى تجارب شديدة التعقيد في كثير من الأحيان.

 

0 تعليق