عاجل

بشارة الخل.. التأليف الموسيقي وغابة التسليع! - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتب يوسف الشايب:

 

ضمن سلسلة محاضرات "حول الموسيقى"، التي نظمتها مبادرة "العتبة Gradus"، بتمويل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بالشراكة مع مركز خليل السكاكيني الثقافي، واحتضنتها قاعة مؤسسة عبد المحسن القطان بمدينة رام الله، في إطار برنامج "مساحات"، قدّم الفنان بشارة الخل محاضرة بعنوان "الحداثة في التأليف الموسيقي متاهة في غابة السلع"، تستكشف تعقيدات الحداثة في التأليف الموسيقي، مع التركيز على الموسيقى الفلسطينية المعاصرة.
ويُعتبر بشارة الخل واحداً من أبرز المؤلفين الموسيقيين الفلسطينيين المعاصرين، وعُرف بدمجه الإبداعي بين الألوان الصوتية المنظمة والمجردة.
المحاضرة، التي قدّمها الخل، تمحورت حول التحديات التي تواجه التأليف الموسيقي عامة، والفلسطيني منه خاصة، كتسليع الفن والإنتاج الثقافي الصناعي الذي يؤثر على الأوساط الأكاديمية واستقبال الجمهور، مع التشديد على ضرورة تحقيق المساواة بين الأنواع الموسيقية المختلفة، وسد الفجوة بين المؤلفين الموسيقيين المعاصرين وجمهورهم.
وأكدت المحاضرة على الدوافع الاجتماعية والثقافية للابتكار الموسيقي، وأهمية الحوار بين المؤلفين والمؤدين والجمهور، بالإضافة إلى المنظورات التاريخية لتطوّر الموسيقى، واللحن، والإيقاع، والعولمة، والآثار الصناعية.
كما سلطت الضوء على تطور الذوق والأسلوب الموسيقي، فيما شجّع المُحاضِر على النمو الفني والتجريب بدلاً من التمسك بالثبات الجامد.
وتشير المحاضرة إلى الابتكارات الدقيقة والتعبير العاطفي لدى المؤلفين الموسيقيين الكلاسيكيين، وإلى التأثيرات المحيطة كالحروب على التفضيلات الموسيقية.
وانطلق الفنان الفلسطيني في محاضرته القيّمة هذه، بالحديث عن المبدأ الأساسي للمساواة بين جميع الأنواع الموسيقية، ودور ذلك لتقييم الأعمال الموسيقية بموضوعية، دون تحيّز للموسيقى الكلاسيكية أو الشعبية، الأمر الذي مهّد الطريق لمناقشة التحديات التي تواجه الموسيقى المعاصرة اليوم.
وناقش الخل تأثير القطاع الصناعي على الأوساط الأكاديمية والإنتاج الفني، وكيف باتت المتطلبات التجارية تشكل اتجاهات البحث والمنتجات الموسيقية، لافتاً إلى أن مفهوم "المنتج" الصناعي يمنح الأولوية لسهولة المستهلك وقابليته للتسويق، ما يهمش الأعمال الموسيقية المعقدة أو التي تتطلب جهداً من المستمع.
ووضع الخل هذا التوجه في سياقه العالمي، واصفاً كيف تقوم صناعة الترفيه بتأطير جميع المنتجات الثقافية تحت منظور تجاري، ما يؤثر على توقعات الجمهور والحرية الفنية.
ولم يغب عن المؤلف الموسيقي المعاصر تقديم لمحة تاريخية عن تطور الموسيقى من فترات الباروك إلى الرومانسية، مع التأكيد على الطبيعة التطورية، وليس الثورية، للتغيير الموسيقي.
وأوضح الخل كيف وازن المؤلفون الموسيقيون الكلاسيكيون مثل هايدن، على سبيل المثال لا الحصر، بين الترفيه والابتكار، وكيف أن الحداثة في الموسيقى غالباً ما تمثل رد فعل في مواجهة التقاليد الموروثة، خاصةً بعد الحروب العالمية.
وتناولت محاضرة "الحداثة في التأليف الموسيقي متاهة في غابة السلع"، تعقيد التحوّلات الجذرية في اللحن والتناغم والتوزيع الأوركسترالي في الموسيقى الحديثة، والتي تشكل تحديّاً لكل من الموسيقيين والجمهور.
وشكّلت المحاضرة أيضاً استكشافاً لكيفية تخلي المؤلفات الموسيقية الحديثة عن الوظائف اللحنية التقليدية، ما يؤدي إلى ارتباك المستمعين والحاجة إلى مهارات سمعية جديدة، قبل أن يسلط بشارة الخل الضوء على مفهوم التنافر والوظيفة اللحنية والإيقاع خارج الأطر الكلاسيكية، مشدداً على كون الموسيقى سلسلة من الأحداث أو المناظر الصوتية لا من السرد اللحني الخطي، ما يتطلب من الجمهور تكييف عادات الاستماع لديهم.
وتحدث الخل عن المسؤولية المشتركة بين المؤلفين الموسيقيين، والمؤدين، والجمهور لسد الفجوة في فهم الموسيقى المعاصرة، مؤكداً على أهمية التواصل والمرونة في التفسير، قبل أن يحثّ المؤدين على الانخراط بعمق في المؤلفات الموسيقية الجديدة، ويحثّ الجمهور على تنمية أذواقهم المتطورة، مُنتقداً التمسك الصارم بقواعد الأداء الكلاسيكي، وداعياً إلى حوار تعاوني لتعزيز التعبير الموسيقي واستقباله.
وتأمّل الخل في الفجوة الفلسفية والعملية بين المؤلفين الموسيقيين المعاصرين وجمهورهم، مؤكداً مجدداً أن اللحن والعناصر المألوفة يمكنهما أن يعيدا ربط المستمعين بالموسيقى الحديثة.
وانتقد الفنان الفلسطيني السائد حول الموسيقى الحديثة باعتبارها تفتقر إلى الأفكار، مجادلاً بأن كل الموسيقى تحتوي على مفاهيم، وإن لم يتم إيصالها بوضوح دائماً، مُشدداً على أهمية الحريّة الإبداعية في ظل العولمة، بينما عبّر عن أسفه لفقدان المدارس أو التقاليد المتماسكة في التأليف الموسيقي المعاصر.
وختم الخل بالحثّ على تطوير مهارات استماع جديدة، والانفتاح على اللغات الموسيقية المتطورة، لتعزيز روابط ذات معنى بين الموسيقى المعاصرة وجمهورها.

 

0 تعليق