Published On 12/9/202512/9/2025
|آخر تحديث: 22:47 (توقيت مكة)آخر تحديث: 22:47 (توقيت مكة)
انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي
share2شارِكْ
بينما نكاد نسدل الستار على موسم الصيف السينمائي، تعرض دور السينما فيلما جديدا وهو "ضي"، المختلف عن الأعمال التجارية الرائجة منذ بداية الموسم الفني.
"ضي" من إخراج كريم الشناوي وتأليف هيثم دبور، وبطولة بدر محمد وإسلام مبارك وحنين سعيد وأسيل عمران، بالإضافة إلى عدد كبير من ضيوف الشرف. وقد عُرض الفيلم من قبل في مهرجان البحر الأحمر السينمائي ومهرجان برلين كذلك.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of list
أفلام الطريق (Road Movie) نوع سينمائي يقوم على رحلة شخصيات الفيلم عبر الطريق -غالبًا باستخدام السيارة أو وسيلة مواصلات أخرى- حيث تمثل الرحلة نفسها الإطار الذي يُكشف من خلاله عن تطور الشخصيات وصراعاتها الداخلية والخارجية. وهذا النوع يربط بين الحركة الجسدية عبر المكان وبين الرحلة الرمزية لاكتشاف الذات أو الحرية. وغالبًا ما يتضمن مواجهة مع المجتمع، وقيم الحرية، والتمرد على القيود، أو البحث عن هوية جديدة.
وتغيب أفلام الطريق عن السينما المصرية بشكل واضح، على الرغم من توافر المساحة الجغرافية والخصوصية الثقافية لكل منطقة، من الصعيد وحتى الإسكندرية، والتي توفر المجال اللازم لهذا النوع من الأفلام لإظهار التنوع الديمغرافي المصري.
يستحضر فيلم "ضي" جماليات وسمات أفلام الطريق، فتدور أحداثه بشكل أساسي حول رحلة يقوم خلالها البطل ضي (بدر محمد) وعائلته الصغيرة برحلة مليئة بالمصاعب تبدأ من "النوبة" وتنتهي في القاهرة، غير أن عراقيل الرحلة لا تبدأ فقط مع بدايتها، بل تتصل بشكل أساسي بحياة الشخصية الرئيسية.
ضي المراهق ابن لعائلة نوبية تعيش على الكفاف، بعد ما هجرها الأب منذ طفولة أبنائه، إلا أن بداية مصاعبهم كانت بمولد ضي نفسه أمهق أو ألبينو، أي وُلد مصابًا باضطراب وراثي يُعرف بالمهق، يتمثل في غياب صبغة الميلانين أو نقصها في جلده وشعره وعينيه، فيبدو ذا بشرة شديدة البياض، وشعر فاتح اللون، وعينين فاتحتين، ويعاني من حساسية مفرطة تجاه الضوء.
إعلان
يمثل لون بشرة ضي الفاتح للغاية تضادا مباشرا مع البشرة السمراء لأهالي النوبة، الأمر الذي يجعل الصبي ضحية سهلة للتنمر، فتقرر والدته المفرطة في الحماية حبسه تقريبًا في منزله، وعزله تمامًا عن محيطه وأقرانه، فلا يُواظب على حضور دروسه بالمدرسة، ولا يخالط زملاءه.
غير أن نقطة النور في حياة المراهق الجافة هذه تتمثل في حبه للغناء وصوته العذب المقارب لصوت النجم المصري محمد منير. تشجع معلمة الموسيقى صابرين (أسيل عمران) ضي على الدخول في برنامج المسابقات "ذا فويس" (The Voice)، وبالفعل ترسل تجربة الأداء الخاصة به للقائمين على البرنامج من دون علم والدته زينب (إسلام مبارك)، التي تستشيط غضبًا عندما تعلم بفوز ابنها في المرحلة التأهيلية، وضرورة توجهه إلى القاهرة لمتابعة المراحل التالية. ومن هنا تبدأ الرحلة الفعلية بانضمام الأخت ليل (حنين سعد). الرحلة التي لم تكد تنطلق حتى قابلت عثرات لا تنتهي على أبطال الفيلم التغلب عليها والوصول إلى بر الأمان سالمين.
جمال الصورة وخلل الأداء
يصعب خلال مشاهدة فيلم سينمائي معرفة بالتحديد من قام بماذا، فعلى سبيل المثال عندما يلاحظ المتفرج أو الناقد خللا ما في شخصية، فلا يعلم على وجه اليقين: هل هي مشكلة في كتابة الشخصية، أم رؤية المخرج لهذه الشخصية، أم أداء الممثل؟ وذلك لتداخل تفاصيل العملية الفنية لصناعة الأفلام، تلك التفاصيل التي يعلم أيّ من جرب صناعة فيلم أو حتى درس هذه الصناعة مدى تعقيدها.
غير أن الوضع ليس كذلك في فيلم "ضي"، فمزاياه واضحة للغاية، وعيوبه كذلك يمكن تحديد مصدرها ببساطة، غير أنه يضع المتفرج -سواء العادي أو المتخصص- في أزمة، لأن تلك العيوب موضوعة في إطار "يبدو" مثاليًا ومحكمًا.
فعلى سبيل المثال أول ما يصدم المتفرج تسجيل الصوت الرديء للفيلم؛ نحن هنا أمام فيلم تم عرضه بالفعل في مهرجانات عالمية، لذا عليه أن يمتلك الحدود الدنيا من الجودة الصوتية. غير أن هذا التواضع في جانب مهم للغاية مثل الصوت يقابله اهتمام واضح بالموسيقى التصويرية واستخدام بارع لأغاني محمد منير من ناحية، وكذلك التركيز على صورة الفيلم من ناحية أخرى، تلك الصورة التي تتسم بشاعرية وبراعة في التصوير تتناسب مع طبيعة فيلم الطريق الذي يخرج فيه الأبطال من إطار النوبة الضيقة إلى مصر الواسعة للمرة الأولى تقريبًا، فنرى لقطات خلابة لنهر النيل، وطيران المناطيد الملونة في الأقصر على خلفية شروق الشمس.
يتكرر ذلك في الأداء التمثيلي، الذي لا تظهر فيه أي سلاسة أو بساطة أو تناغم بين الممثل وشخصيته، وذلك على عكس السائد في أعمال كريم الشناوي الذي يدير ممثليه حتى يخرج منهم بعضًا من أفضل أداءات مسيرتهم، ولنا في مسلسل "لام شمسية" المعروض في رمضان 2025 مثال واضح في أغلب الممثلين والممثلات الذين ظهروا فيه، بداية من أحمد السعدني وأمينة خليل وحتى الطفل علي البيلي.
تعاني شخصيات "ضي" من وضوح زائد، فكل شخصية درامية هي نموذج: فالمراهق ضي هو فتى ألبينو يعاني من التنمر والحماية المفرطة من أمه، فلا يمتلك المساحة الضرورية لنموه الشخصي، بينما ليل هي أخت غيورة من اهتمام الأم الزائد بالأخ الأصغر، تلك الغيرة التي تدفعها لخشونة واضحة في تعاملها معه بالرغم من حبها له. أما زينب فهي أم تحملت مسؤولية العائلة وحدها، ذكية وقوية وواسعة الحيلة، وعنيفة في بعض الأحيان طالما كان ذلك في إطار حماية طفليها. على الجانب الآخر نجد صابرين المعلمة المسيحية التي تضغط عليها والدتها للزواج في أسرع وقت، فتترك المنيا وتعيش في النوبة بحثًا عن بداية جديدة، وتضع حماسها كله تحت إمرة موهبة ضي بدلا من التركيز على أزمتها الشخصية.
إعلان
تركيب الشخصيات وتنوعها في حد ذاته لا يعيبه شيء، غير أنها وقفت عند حدود ملخصات الشخصيات، من دون اهتمام بتطوير جوانبها المختلفة، أو تطورها هي على مدار الفيلم. فركز الممثلون بالتبعية على هذه التفاصيل البسيطة بوضوح زائد عن الحد، مما جعل الشخصيات غير حقيقية أو مُصدَّقة. وتم التعويض عن ذلك بظهور عدد كبير للغاية من ضيوف الشرف في أدوار محورية أحيانًا أو بلا داعٍ أحيانًا أخرى، ما يبعد الأنظار عن عيوب التمثيل الواضحة في الطاقم الرئيسي.
غير أن أكبر مزايا فيلم "ضي" أنه حاول -ونجح إلى حد كبير- في تقديم فيلم "فني"، لكنه في الوقت ذاته يقدم قصة مسلية تستهدف الجمهور العادي في صالات السينما، قصة يمكن التماهي معها والتعاطف مع أبطالها، وتحث المتفرج على غض النظر عن عيوب الفيلم الواضحة.
0 تعليق