عاجل

من المكتب إلى الموساد - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يفتح كتاب "من المكتب إلى الموساد.. السنوات الأولى للموساد الإسرائيلي 1949-1963" نافذة نادرة على طريقة عمل جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية،

ويعتمد الكتاب الذي صدر في مايو/أيار الماضي على أرشيف داخلي للجهاز، أظهر صورة مختلفة عما كان معروفا سابقا عن وحدات وأساليب ظلت بعيدة عن التداول.

وقد كشفت تلك المعطيات أن جهاز الموساد لا يقتصر على العمل السري في ساحات المواجهة التقليدية، بل يمتد إلى استهداف الجاليات العربية والفلسطينية في الخارج، من خلال الابتزاز واستغلال الثغرات الاجتماعية إضافة إلى حملات التشويه الإعلامي واستخدام واجهات اقتصادية كغطاء لأنشطته.

وهذه الجوانب، وإن لم تكن جديدة كليا، إلا أن توثيقها يمنح القارئ العربي فهما أدق لطبيعة الخصم.

حفل تسليم رئاسة الموساد بحضور نتنياهو ورئيس الموساد المنتهية ولايته ورئيس الموساد دافيد برنياع. المصدر: أرشيف مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي التي عممها في حينه للاستعمال الحر لوسائل الإعلام
نتنياهو يتوسط رئيس الموساد الحالي ديفيد برنيع (يسار) والسابق يوسي كوهين (الصحافة الإسرائيلية)

هيكل الموساد

بينما كان يُنظر لهيئة الاستخبارات والمهمات الخاصة، والمعروفة اختصارا باسم "الموساد"، كوحدة واحدة، كشف الكتاب أن عمله موزّع على أقسام متخصصة، لكل منها مهام دقيقة وأساليب مختلفة.

ويعد هذا الكتاب الإصدار الأول العلني الذي تناول تأسيس الموساد وولادته، ويكشف عن 3 وحدات عملية رئيسية:

وحدة تزومت (Tzomet)، المسؤولة عن تجنيد العملاء وتشغيلهم، وكانت تسيطر في بدايات الموساد على معظم النشاط العملياتي. وحدة ميفراتز (Mifratz)، المعنية بإدراة "المقاتلين السريين"، وبعد دمجها مع وحدة 188 التابعة للاستخبارات العسكرية، أصبحت تُعرف باسم "قيسارية". وحدة تيفيل (Tevel)، للتعاون السري مع أجهزة استخبارات أجنبية. وشملت أنشطة الموساد المبكرة وحدة سرية معنية بجمع المعلومات وتنفيذ مهام اقتصادية، وإنشاء بنى تحتية تستخدم كغطاء لتمويل عملياته، ومع تطور إسرائيل والجهاز، أُغلقت هذه الوحدة نهائيا.

إعلان

ووفقا لتحليلات المعهد الفدرالي الأميركي للعلوم، يشمل الموساد أيضا قسم العمليات الخاصة المعروف باسم "ميتسادا"، وهو المختص في تنفيذ مهام شديدة الحساسية، مثل التخريب والعمليات شبه العسكرية، والحرب النفسية.

وضمن ميتسادا توجد وحدة كيدون (Kidon)، المتخصصة في الاغتيالات والعمليات السرية، كما توجد وحدات أخرى تتنوع مهماتها بين التخصص في الدعاية، الحرب المعلوماتية، تطوير التكنولوجيا الحاسوبية وأبحاث إلكترونية واستغلال الإشارات الاستخباراتية.

الموساد في الدول العربية

في خمسينيات القرن الماضي، كانت وحدة تزومت تتولى تشغيل عملاء ميدانيين داخل الدول العربية، غالبا عبر بعثات دبلوماسية وهمية، من أبرز هذه الحالات العميلة "طال"، ابنة عائلة يهودية عراقية مهاجرة، التي انتحلت صفة لاجئة مسيحية فلسطينية.

تمكنت "طال" من الحصول على وظيفة في مكتب بعثة عربية في إحدى الدول الغربية، استطاعت الحصول على معلومات حساسة من داخل البعثة، وحتى مفاتيح المكتب، ما مكن عملاء الموساد من اقتحام المكتب سرا وعدة مرات لتصوير وثائق مهمة.

وتعد قصة "طال" نموذجا بارزا لدور وحدة "تزومت"، التي كانت ولا تزال تعنى بتجنيد وتشغيل جواسيس داخل الدول العربية. هذه الوحدة الدقيقة والمعقدة تتطلب فهما عميقا للطبيعة البشرية، وحضورا قويا، وقدرة عالية على التلاعب.

لكن هذه المحاولات لم تنجح دائما، إذ يستذكر الكتاب قصة "ديفيد ماغين"، الشاب الذي جُند عام 1948 وأُرسل لجمع المعلومات، لكنه تورط في  قضايا مخدرات وخيانة، بعدما عرض خدماته على سفارة عربية في فرنسا وسلمها معلومات حساسة، مما تسبب في أضرار كبيرا للموساد، وحكم عليه بالسجن، 14 عاما، خفضت لاحقا إلى 11 عاما.

وثمة أسس لتجنيد المقاتلين في هذه الوحدة بالتحديد، مثل تفضيل الزوجين للعمل معا بمهن اعتيادية لتغطية نشاطاتهم الاستخباراتية، إذ أورد الكتاب قصصا لعدد منهم، مثل "موشي" و"ليدي"، وهما من المتحولين دينيا الذين هاجروا إلى إسرائيل وعملوا في إحدى الدول العربية.

وقد عمل "موشي" كخبير زراعي (مهنته الحقيقية) ومندوب لشركة بذور أوروبية، واستغل رحلات عمله إلى المناطق الزراعية للاستطلاع وجمع معلومات استخباراتية. أما "غادي"، فتمركز مع زوجته وابنه في بيروت وعمل في لبنان وسوريا.

كذلك "حداس" وزوجها "المحامي"، حيث عمل الأخير ضمن بعثة أثرية أوروبية، وهناك أيضا 3 مقاتلين كانوا يعرفون بـ"أولاد شامير"، لأنه كان يعرفهم من ماضيه ويجيد تشغيلهم رغم طباعهم الصعبة. أيضا شارك 3 مقاتلين غير يهود في وحدة ميفراتز، التي أصبحت رمزا للدولة وجرأتها العملياتية.

كان ذلك ضمن إطار خاص أقره رئيس الموساد آنذاك إيسر هاريل في محاولة للتسلل للدول العربية، وضمن وحدة تزومت، لكن هاريل أدرك لاحقا أن الأمر يتطلب خبرة خاصة وسرية مشددة، فأنشأ وحدة جديدة باسم ميفراتز، تولى قيادتها إفرايم رونيل (الذي انتقل لاحقا لقيادة نشاط جلب يهود شمال أفريقيا إلى إسرائيل)، تلاه إزي دوروت، ويتسحاق شامير (الذي كان من كبار قادة منظمة شتيرن وأصبح لاحقا رئيس وزراء).

ومع نهاية ولاية هاريل تضمنت الوحدة 17 مقاتلا، ومع دخول مائير عاميت منصب رئيس الموساد، نُقلت وحدة المقاتلين 188 (التابعة للاستخبارات العسكرية) إلى الموساد ودمجت مع ميفراتز، لتنشأ وحدة قيسارية، المتخصصة على مدى السنوات في تشغيل المقاتلين وتنفيذ العمليات الخاصة حول العالم.

إعلان

هذا التطور في الوحدات يعكس كيف حاولت إسرائيل تنويع أدواتها الاستخباراتية بما يخدم مشروعها السياسي والأمني في المنطقة، وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول أهداف هذه البنية المعقدة.

JERUSALEM, ISRAEL: (ISRAEL OUT) (FILE PHOTO) Isser Harel, considered the founder of Israel's intelligence community, is shown February 9, 1988. Harel died February 18, 2003 at the age of 91 after a lengthy illness. He ran the Shin Bet security service for 15 years and the Mossad for 11 years, and was largely responsible for both agencies' worldwide reputations. In 1961, under his command, the Mossad kidnapped Adolph Eichmann from Argentina and brought him to Israel for trial. (Photo by Ya'akov Sa'ar/GPO/Getty Images)
إيسر هاريل رئيس الموساد الذي أنشأ وحدة ميفراتز والتي دمجت لاحقا مع وحدة المقاتلين 188 لتنشأ وحدة قيسارية (غيتي)

لماذا كل هذه الوحدات؟

بعيدا عن العمليات الميدانية، تعمل إسرائيل على توظيف الوحدات في تحقيق أهداف وأغراض سياسية وأمنية، تتمثل في تحقيق أقصى درجات التأثير على السياسات الخارجية للدول المستهدفة، وضمان توجيه الأحداث بما يخدم مشروع الاحتلال في المنطقة، وفقا لكتاب "أمراء الموساد".

وفي هذا الإطار، أشار الكاتب إلى أن تأسيس الموساد لوحدة "تيفل" المسؤولة عن إدارة العلاقات الخارجية كان من خلال عشرات الممثليات والمحطات في دول العالم، بعضها يعمل بصفة رسمية و جزء تحت غطاء بعثات دبلوماسية أو تجارية أو اقتصادية.

ووصفت هذه الوحدة بـ"وزارة الخارجية الإسرائيلي السرية"، نظرا لما أثارته من احتجاجات واحتكاكات مع وزارة الخارجية الإسرائيلية، لمنافستها على صلاحياتها الرسمية وفي بعض الأحيان تفوقت عليها، لكونها تسهم في إقامة وعقد الاتفاقات والروابط السياسية والدبلوماسية والأمنية وغيرها مع جهات وحكومات في دول أخرى.

ويرى الخبير العسكري العميد المتقاعد، ضيف الله الدبوبي، أنه لا يمكن قراءة بنية الموساد من زاوية "القوة الخارقة"، بل من زاوية القلق والهشاشة التي رافقت المشروع الصهيوني منذ بدايته. فالموساد لجأ إلى بناء هذه الوحدات، وفرض اختبارات قاسية على مجنّديه، بعضها يكاد يبدو أقرب إلى الاستعراض منه إلى العمل الاستخباري الواقعي.

ويروي الدبوبي للجزيرة نت بعض تلك التفاصيل التي كان شاهدا عليها، يقول إنه من بين الفحوصات التي أجريت للمتقدمين كانت بتكليفهم بالتسلل إلى الأردن والوصول إلى مدينة البتراء والتصوير فيها ثم العودة دون أن يقبض عليهم؛ مهمة لا تعكس بالضرورة كفاءة استخباراتية بقدر ما تظهر عقلية المغامرة والقلق من البيئة المحيطة.

ويضيف أن التدريبات في الموساد تتضمن مجموعة واسعة من الاختبارات المكثفة، بدءا من القوة البدنية والقدرة على التحمل، مرورا بتدريبات على التحمل النفسي، التخفي، التصنع، وحتى التدريب على الاستجواب. وتأتي هذه الاختبارات ضمن منهجية دقيقة تهدف لإعداد العملاء للتعامل مع أصعب الظروف الميدانية.

ولطالما ارتبط نشاط الموساد بجوانب تجارية، متمثلة ببيع وتبادل المعلومات مع دول مختلفة، بل وتحقيق أرباح مالية مقابل تمرير تقارير عن جيوش عربية أو نزاعات إقليمية، هذه الأنشطة لم تكن مجرد "خدمات استخبارية" بل مصدرا ماليا يموّل عمليات الاغتيال والتخريب التي نفذها الجهاز، وفقا لحديثه.

الانتقام والسيطرة على الوعي

يشير رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور أيمن البراسنة، أن الموساد يستهدف دول العالم كافة، مع تركيز خاص على المنطقة العربية وإيران، إذ تشمل نشاطاته حرب الشائعات والتلاعب بالوعي، خاصة لدى الشباب، عبر إنشاء صفحات وهمية ومعلومات مضللة، وأحيانا باستخدام تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي لجمع المعلومات وتشويه الحقائق.

من جهته، كشف الكاتب الكندي جورج جوناس، المعروف بكتابه "الانتقام: القصة الحقيقية لفريق مكافحة الإرهاب الإسرائيلي"، أن مفهوم "نكاما" (الانتقام باللغة العبرية) يشكل جزءا أساسيا من منهجية الموساد، ويعمل كمحفز رئيسي لعملياته، لكنه يحرص على عدم تعريض أمن الجاليات اليهودية في الخارج للخطر.

من هنا، يصبح الوعي بأساليب الموساد ضرورة لأي متابع للقضايا العربية، فالجهاز لا يقتصر عمله على العمليات المباشرة فحسب، ولكنه يعمل في إطار ما يعرف بنظرية الجدار الحديدي، التي صاغها جوردون تسكي وتبناها ديفيد بن غوريون، وفق البراسنة.

إعلان

ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن هذه النظرية تنطلق من فكرة أن العرب يشكلون أمة حية ستستمر في المطالبة بحقوقها الأساسية، ولن تتنازل عنها بسهولة. ومن ثم، يرى المخططون الإسرائيليون أن إقامة "جدار حديدي" يتمثل في قوة عسكرية مفرطة وعظيمة في المنطقة، قد تجبر العرب على التراجع جزئيا عن مطالبهم، مما يمهد الطريق للتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية.

ورغم أن هذه الأساليب ليست جديدة، فإن المخاطر المرتبطة بالتطبيع والانفتاح على إسرائيل تتفاقم، إذ يؤكد الخبراء أن الدول العربية المحيطة بإسرائيل يجب أن تدرك أن المشاركة في أي شكل من أشكال التطبيع مع عدو يعتمد على التجسس والاختراق والتجنيد، ولا يفهم لغة الحوار، ما هو إلا ضرب من الخيال.

0 تعليق