قانون الشركات العائلية.. ضمان استمرارية الأعمال وتعزيز الحوكمة - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

محمد أبو شعبان*

تعد الشركات العائلية في دولة الإمارات العربية المتحدة أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد الوطني، فهي تمثل نسبة كبيرة من الشركات الخاصة وتلعب دوراً محورياً في دعم التنمية الاقتصادية، وخلق فرص العمل، والمساهمة في استدامة النشاط التجاري عبر الأجيال. غير أن هذا النوع من الشركات، على الرغم من قوته الاقتصادية، فإنه كان يواجه على مرّ السنين تحديات قانونية وتنظيمية تتعلق بانتقال الملكية، وإدارة الخلافات بين أفراد العائلة، وحماية رأس المال من التفتيت عند الميراث، وضمان استمرارية الأعمال في مواجهة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. تدارك المشرع الإماراتي هذه التحديات بأن أصدر المرسوم بقانون اتحادي رقم 37 لسنة 2022 بشأن الشركات العائلية، والذي دخل حيز التنفيذ في 10 يناير 2023، ليشكل نقطة تحول حقيقية في المشهد القانوني الإماراتي بشكل متفرد لهذه الكيانات الاقتصادية.
هذا وضع إطاراً تشريعياً متكاملاً للشركات العائلية، وأعطاها تعريفاً واضحاً، ونظم آليات تسجيلها في سجل خاص لدى وزارة الاقتصاد، إذ يعد التسجيل شرطاً أساسياً للاستفادة من الحماية والمزايا المقررة، حيث يحصل الملاك والمؤسسون على وثيقة رسمية تثبت صفة «الشركة العائلية»، وتضمن لهم حقوقاً إضافية في ما يتعلق بتنظيم الملكية وانتقال الحصص.
ويُستثنى من نطاق هذا القانون شركات المساهمة العامة وشركات التضامن، في حين يمكن لبقية الأشكال القانونية للشركات أن تندرج ضمنه متى توافرت شروط التملك العائلي بأغلبية الحصص.
كما أن أحد الجوانب المهمة في هذا القانون هو تنظيم مسألة الميراث والإفلاس، إذ يسمح بوضع قيود تحمي الحصص من الخروج خارج العائلة بشكل عشوائي، وهذا أمر بالغ الأهمية، كما في حالة إفلاس أحد الشركاء، أعطى القانون الحق لبقية أفراد العائلة في شراء حصته أولاً وفق ما تقرره المحكمة، وهو ما يحافظ على وحدة رأس المال، ويمنع دخول شركاء غرباء قد يربكون التوازن الداخلي.
القانون كذلك أقر لأول مرة بجدوى «ميثاق العائلة» أو ما يُعرف بFamily Charter، وهو اتفاق داخلي تضعه العائلة لتحديد قواعد الإدارة، وآليات انتقال القيادة بين الأجيال، وضوابط حل النزاعات. هذا الاعتراف يُعطي قوة قانونية لوثيقة كانت تُعتبر في السابق مجرد ترتيبات غير ملزمة، ليحولها اليوم إلى أداة فاعلة لحوكمة الشركات العائلية.
ولأن النزاعات تظل جزءاً من الواقع، فقد أنشأ المشرع لجاناً متخصصة في كل إمارة تحت مسمى «لجان تسوية نزاعات الشركات العائلية»، يرأسها قضاة ويُعاونهم خبراء، للفصل في الخلافات بطريقة أسرع وأقل كلفة من المحاكم التقليدية، مع الحفاظ على خصوصية العائلة وسرية أعمالها. أما في المناطق الحرة المالية، فالقانون احترم استقلالية أنظمتها، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام الشركات الراغبة في الجمع بين مزايا القوانين المحلية والإطار الاتحادي الجديد.
وفي سبيل التطور الدائم لدولة الإمارات ودعمها اللامتناهي للأعمال، قامت وزارة الاقتصاد في ديسمبر 2023 بتدشين السجل الموحد للشركات العائلية، ومنذ مايو 2024 بدأت باستقبال الطلبات، ليتم في مايو 2025 الإعلان عن تسجيل أول مجموعة من الشركات الوطنية الكبرى، هذه الخطوة عكست ثقة القطاع الخاص بجدوى القانون، ورسّخت مكانة الإمارات كوجهة عالمية رائدة في تشجيع استمرارية الأعمال العائلية.
القيمة الجوهرية لهذا القانون تتجاوز كونه مجرد نص تشريعي لحل مسألة قانونية، فهو يضع حلولاً عملية لمعضلة يعيشها أصحاب الشركات العائلية في الحفاظ على إرث العائلة التجاري من التفكك، وضمان استمرار نشاطها عبر الأجيال، وفي الوقت نفسه تمكينهم من اغتنام فرص جديدة للنمو والاستثمار ودعم هذه الأعمال، بذلك لا يكتفي القانون بحماية مصالح العائلة فحسب، بل يسهم في تعزيز استقرار واستدامة الاقتصاد الوطني، ويضمن أن تظل الشركات العائلية شريكاً محورياً وموثوقاً في تحقيق رؤية «نحن الإمارات 2031».
وبذلك، لم تعد الشركات العائلية في الإمارات مجرد نشاط تجاري موروث، بل أصبحت مؤسسة قانونية متكاملة، تستمد قوتها من العائلة ومن القانون معاً، وتحمل رسالة مفادها بأن إرث الماضي يمكن أن يكون هو نفسه جسر المستقبل.
* مستشار قانوني
[email protected]

0 تعليق