زعماء القمة من ناحيتهم أتقنوا الرسائل الإعلامية وابتسامات الصور وصلت مباشرة إلى واشنطن، وكان الحنق من روسيا ثم من الهند بدرجة أكبر، حيث عبّر الرئيس ترمب على منصة تروث سوشيال بأنهما ذهبتا للصين، وزاد وزير تجارته نبرة الغضب بتكرار الحديث عن التعرفة الجمركية على نيودلهي التي بلغت 50%.
بطبيعة الحال لا يمكن أن يتصور أن الهند والصين أصبحتا حليفتين في يوم وليلة، وأنها تمثل رقصة التنين والفيل كما وصفها الرئيس الصيني، فهناك من إرث الخلافات الكثيرة سواء في المشاكل الحدودية أو الأمنية وغير ذلك، لكن من قال إن سياسة اليوم ومساعي دول عدة في المنظمة وخارجها تحصر الأفق في مسار الحلفاء أو الأعداء فقط، فالسياسة في نهاية اليوم مصالح دائمة.
القمة شهدت أيضاً على مستوى الرسائل البصرية، عرضاً عسكريّاً قيل إنه في ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية و«هزيمة اليابان»، والأسلحة الصينية قد سبقها بعض الصيت الطيب عبر استخدام باسكتان لبعض الطائرات والصواريخ الفرط صوتية الصينية في مواجهتها الأخيرة مع الهند.
لكن العرض أوغل في عرض العضلات عبر أسلحة أخرى غاية في التقدم، مثل الصواريخ الموجهة ضد حاملات طائرات، وكلاب روبوتية، وDongfeng-5C وهو صاروخ فرط صوتي يمكنه الوصول إلى الولايات المتحدة في غضون 20 دقيقة بحسب صحيفة الصن الإنجليزية.
ويذكّرنا هذا العرض الصيني بالعرض الذي استقبلت به بكين عودة ترمب للبيت الأبيض، وهو عرض العاشر من يناير حين كشفت تطبيق «ديب سيك»، وخلال أسبوع واحد من إطلاقه أصبح التطبيق الأكثر تحميلاً عبر متجر أبل، متجاوزاً أرقام نظرائه من التطبيقات الأمريكية، بالإضافة إلى تكلفته المنخفضة، وتنشيطاً للذاكرة فقد أدى خبر ديب سيك لخسائر فادحة للشركات الرقمية في الولايات المتحدة.
وبعد انتهاء قمة شنغهاي بثلاثة أيام في مدينة تياجين الصينية، جمع عشاء فاخر قادة شركات التقنية في العاصمة واشنطن، حيث ضم بيل جيتس والرؤساء التنفيذيين لميتا وأوبن أيه اي وأوراكل وقوقل وأبل وغيرهم، وذلك في غرفة الطعام الرئيسية بالبيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وقرينته ميلانيا.
وأيضاً كانت الرسائل البصرية واضحة إعلاميّاً، ليس أقله على مستوى توزيع مقاعد الحضور، بحيث يظهر إلى يمين الرئيس مارك زوكربيرغ، وعلى يساره بيل جيتس، الرسائل أيضاً مثّلت إشارة لتوافق بين الحكومة والقطاع الخاص أو تنسيق وتعاون على الأطر الرئيسية، وأظهرت حكومة داعمة ورؤساء شركات يعلنون الاستثمار بمليارات الدولارات في مراكز البيانات والبنى التحتية والابتكار.
لكن حتى المجتمعون في البيت الأبيض والغائب الأبرز إيلون ماسك هم ليسوا أصدقاء، بل متنافسون بشكل شرس في كثير من الأحيان، خاصة مع قناعة راسخة مردها أن العقول البشرية هي الأصل الأهم في استثمارات الذكاء الاصطناعي، ومن آخر القصص استقطاب ميتا عقولاً عدة من أبل بعقود ومكافآت ضخمة.
وبين اجتماعين وبين قطبين، يجتمع الأعدقاء حيث الميكافيلية تتلألأ دون شعارات، وذلك كله يذكرنا برواية «الإخوة كارامازوف» للكاتب الروسي العظيم دوستوفيسكي، التي مثّلت أيضاً كعمل من بطولة صلاح السعدني بعنوان «الإخوة الأعداء»، ومن العبارات الخالدة لتلك الرواية «الناس لا يسألون عن الحقيقة، بل عن ما ينفعهم في اللحظة الحاضرة».
أخبار ذات صلة
0 تعليق