يمر الشباب الباحثون عن فرص عمل في مختلف أنحاء العالم بمرحلة صعبة، خصوصا الخريجين الجدد أو من يملكون خبرات محدودة، إذ يجدون أنفسهم في مواجهة سوق عمل شديد التنافسية.
وخلال عام 2024، تراوحت معدلات البطالة عالميا بين 1.4% في التشيك وبولندا (الأدنى في العالم) وصولا إلى 9.2% في تركيا، في حين بلغ متوسط معدل البطالة بدول الاتحاد الأوروبي 3.8%، وفق منصة "يورو نيوز".
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listأما في الولايات المتحدة، فيشهد سوق العمل ركودا ملحوظا بالنسبة للوافدين الجدد إلى سوق العمل. وحسب بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، بلغ معدل البطالة بين خريجي الجامعات الجدد 4.8% في يونيو/حزيران، مقارنة مع 4% فقط بين القوى العاملة عموما.
وفي العالم العربي، يواجه الشباب الحاصلون على الشهادات الجامعية في العديد من دول المنطقة معدلات بطالة مرتفعة، تعكس تحديات واضحة في مواءمة التعليم مع متطلبات سوق العمل. ويبلغ معدل البطالة بين خريجي الجامعات العربية 28% وفق قول أمين عام اتحاد الجامعات العربية الدكتور عمرو عزت سلامة.
الأشخاص ذوو الخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي يُرقون إلى مناصب إدارية أسرع بمرتين تقريبا من نظرائهم في مجالات التكنولوجيا الأخرى، فهم يتقدمون في السلم الوظيفي بفضل مهاراتهم وتأثيرهم
تخصص بلا بطالة
مع ذلك، ثمة تخصص واحد لا يعاني خريجوه من البطالة، ولا يطلب منهم أية خبرات عملية قبل الحصول على وظيفة، وتصل رواتبهم إلى مئات الآلاف من الدولارات سنويا، والبعض منهم يحصل على راتب لا يقل عن مليون دولار في السنة.
وهذا التخصص هو الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وما يتعلق به من تخصصات فرعية، ويوجد شباب في أوائل العشرينيات من عمرهم، ولديهم خبرة في هذا المجال، ويكسب عدد منهم مليون دولار سنويا، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.
وقد ارتفعت الرواتب الأساسية للعاملين غير الإداريين في مجال الذكاء الاصطناعي ممن تتراوح خبرتهم بين صفر و3 سنوات بنسبة 12% تقريبا بين عامي 2024 و2025، وهي أكبر زيادة تُسجلها أي فئة خبرة، وفق تقرير جديد لشركة توظيف الذكاء الاصطناعي "بيرتش ووركس" والذي حلل رواتب وتعويضات آلاف العاملين بهذا المجال وفي علوم البيانات.
إعلان
ووجد التقرير أن ذوي الخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي يُرقون إلى مناصب إدارية أسرع بمرتين تقريبا من نظرائهم بمجالات التكنولوجيا الأخرى، فهم يتقدمون في السلم الوظيفي بفضل مهاراتهم وتأثيرهم لا بسنوات خبرتهم في العمل وفق ما ذكرت شبكة "إم إس إن".
استثمار في المستقبل
أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيا من بيئة العمل الحديثة، ويُنظر إليه بوصفه قوة تحويلية تضاهي أثر المحرك البخاري في الثورة الصناعية بالقرن الـ19.
ويعود الفضل في ذلك إلى نماذج اللغات الكبيرة "إل إل إم إس" (LLMs) المتقدمة التي طورتها كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مثل "أوبن إيه آي"، "ميتا"، "غوغل" وغيرها.
وتشير أبحاث شركة "ماكينزي" إلى أن الذكاء الاصطناعي يمتلك إمكانيات هائلة على المدى الطويل، تُقدر بنحو 4.4 تريليونات دولار من فرص نمو الإنتاجية الإضافية، بفضل الاستخدامات المؤسسية المتزايدة لهذه التقنية.
وتؤكد الدراسات أن الآفاق المستقبلية للذكاء الصناعي واسعة جدا، إذ تخطط 92% من الشركات حول العالم إلى زيادة استثماراتها بهذا المجال خلال السنوات الثلاث المقبلة، مما يعكس بداية اندماج التقنية بشكل كامل في سير العمل وقدرته على تحقيق نتائج أعمال ملموسة.
مواطن الذكاء الاصطناعي
من هنا فلا غرابة في زيادة الطلب على خريجي الذكاء الاصطناعي في مختلف أرجاء العالم، فهو عصب الثورة الصناعية الخامسة، ويتقاضى العاملون به رواتب خيالية.
وإذا كان مصطلح المواطن الرقمي "digital native" ارتبط بجيل اعتاد التعامل مع التكنولوجيا الرقمية منذ سنوات مبكرة من العمر، فإن المرحلة الراهنة تفرض مصطلحا جديدا هو مواطن الذكاء الاصطناعي (AI native) وفق تعبير مجلة رواد الأعمال "Entrepreneur magazine".
وينطبق الوصف على الخريجين الجدد الذين يحصلون على رواتب تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات فور دخولهم سوق العمل، بفضل قدرتهم على توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي واستثمارها بكفاءة.
رواتب خيالية
وفق صفحة إعلانات الوظائف في شركة "داتابريكس" (Databricks) يمكن لباحث في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي -بخبرة لا تتجاوز عامين- أن يتقاضى راتبا أساسيا يتراوح بين 190 ألفا و260 ألف دولار سنويا، ويمكن أن يكون إجمالي الراتب، بما في ذلك الحوافز ومنح الأسهم، أعلى بكثير، كما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال.
وتخطط "داتابريكس" وهي شركة برمجيات تحليل البيانات -التي ارتفعت قيمتها بشكل كبير خلال طفرة الذكاء الاصطناعي- لمضاعفة عدد الأشخاص الذين توظفهم مباشرة بعد التخرج هذا العام، ويرجع ذلك إلى معرفتهم بالذكاء الاصطناعي.
واستكملت الشركة جولة تمويلية في أغسطس/آب الماضي تقدر قيمتها بـ100 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 61% عن جولتها التمويلية الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول، وفق تقرير آخر نشرته وول ستريت جورنال.
ويقول الرئيس التنفيذي للشركة علي قدسي "لدينا بالتأكيد أشخاص مبتدئون، لكن تأثيرهم كبير، ويحصلون على رواتب مرتفعة. وفي سن الـ25، يمكنك أن تجني مليون دولار" وفقا للصحيفة.
وحتى في سوق العمل المخصص للخبراء في الذكاء الاصطناعي، يظل التفاوت واضحا. ويشير جور ليسكوفيتش أستاذ علوم الحاسوب في جامعة ستانفورد والمؤسس المشارك لشركة "كومو إيه آي" (Kumo.AI) الناشئة إلى أن طلاب الدكتوراه أوائل العشرينيات غالبا ما يُنتجون أبحاثا مؤثرة، لكنهم يتركون برامجهم مبكرا لينضموا إلى شركات تعرض عليهم رواتب مغرية، قبل أن يكتسبوا خبرة عملية كافية. ويقول بهذا السياق "عدد الأصفار في الرواتب كبير جدا".
إعلان
ويضيف ليسكوفيتش "ثمة فئة أخرى تجيد استخدام الذكاء الاصطناعي بمهارة. إنهم يتعلمون بسرعة، ويفكرون بسرعة، ويستغلون التقنية لتعزيز إنتاجيتهم".
ورغم أنهم لا يحملون شهادات عليا، فإن الفجوة بينهم وبين المبرمجين التقليديين تتسع لصالحهم "إنهم يمثلون الجيل الجديد من مهندسي البرمجيات" وفق المصدر ذاته.
أما موقع "ليفلس إف واي آي" (Levels.fyi) فيؤكد أن العديد من وظائف مهندسي الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، حتى لمن لا يملكون أكثر من عام واحد خبرة، تقدم رواتب تصل إلى 200 ألف دولار سنويا في شركات مثل "روبلوكس" (Roblox) كما رصد الموقع 42 عرضا وظيفيا من شركات الذكاء الاصطناعي تجاوزت قيمتها مليون دولار، وكان 9 من أصحابها يمتلكون خبرة تقل عن 10 سنوات، رغم أن بعضهم حاصل على درجة الدكتوراه.
وفي "سكيل إيه آي" (Scale AI) -التي خضعت مؤخرا لصفقة استحواذ عكسي من شركة ميتا- يشكل الموظفون دون سن 25 عاما نحو 15% من القوى العاملة، وتشير بيانات الشركة إلى أن الخريجين الجدد يمكن أن يتوقعوا رواتب أساسية تصل إلى نحو 200 ألف دولار سنويا وفق صحيفة وول ستريت جورنال وشبكة "إم إس إن".
فرصة وتحد
تُبرز هذه الأرقام السابقة بوضوح أن الشباب، حتى أولئك في أوائل العشرينيات، قادرون على تحقيق تأثير هائل في مجال الذكاء الاصطناعي، والحصول على رواتب استثنائية قبل اكتساب خبرة عملية واسعة.
وهذا يضع أمام الشباب العرب تحديا وفرصة في آن واحد، فمع ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين، أصبح من الضروري التفكير بذكاء عند اختيار التخصص الجامعي، والتركيز على مجالات المستقبل التي تتجاوز الحدود والجغرافيا.
وتؤكد هذه الظاهرة أن المهارات العملية والإتقان في استخدام التكنولوجيا قد تصبح أحيانا أهم من الشهادات الأكاديمية التقليدية، مما يشير إلى تحول جذري في سوق العمل ومستقبل البرمجيات والهندسة الرقمية.
وفي هذا السياق، يمثل الجيل الجديد من مهندسي الذكاء الاصطناعي نموذجا يُحتذى به للشباب العرب، إذ يثبت أن الإبداع والاحتراف المبكر قادران على فتح آفاق واسعة في اقتصاد المعرفة الحديث وتحقيق إنجازات غير مسبوقة.
0 تعليق