ترامب يعيد الأميركيين إلى "الأيام السيئة القديمة".. فما الذي حدث؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

Published On 9/9/20259/9/2025

|

آخر تحديث: 00:27 (توقيت مكة)آخر تحديث: 00:27 (توقيت مكة)

أُنشئ "مكتب حماية المستهلك المالي" (CFPB) عقب الأزمة المالية في 2008، ليكون من الكيانات النادرة في واشنطن التي تُعرف بالكفاءة في مراقبة حقوق المستهلك.

وقد أعاد مليارات الدولارات إلى المواطنين الذين تعرضوا للاستغلال من وول ستريت وسوق المال المحلي على حد سواء. أما في عهد ترامب، فلا عجب أن هذا المكتب بات يقاتل من أجل بقائه.

في 15 أغسطس/آب 2025، وجّهت محكمة استئناف فدرالية ضربة قوية إلى المكتب، إذ رفعت أمرا قضائيا مؤقتا كان يمنع خطة إدارة ترامب لتسريح جماعي للموظفين. وفي قرار بأغلبية صوتين مقابل صوت واحد، رأت محكمة دائرة كولومبيا أن المحكمة الأدنى لا تملك الصلاحية القضائية، لكنها أبقت على التجميد المؤقت بانتظار جلسة جديدة، ما يعني أن "سيف الفصل" لا يزال مرفوعا.

مصير المكتب اليوم يبدو هشا، في أفضل الأحوال.

لكن هذا المصير ليس مصادفة، بل هو مخطط معد سلفا. فمنذ أن عاد ترامب إلى البيت الأبيض، أوضح أنه يريد تفكيك CFPB، وعين "وزارة كفاءة الحكومة" الجديدة "DOGE"، بقيادة إيلون ماسك، لتنفيذ المهمة.

تحركت DOGE بسرعة لمهاجمة المكتب. بيد أن العقبة أمامها كانت أن CFPB قد أعاد بالفعل أكثر من 21 مليار دولار إلى جيوب الأميركيين منذ تأسيسه. فقد خسر الاقتصاد الأميركي نحو 8.7 ملايين وظيفة خلال الانهيار المالي، وفقدت ملايين العائلات منازلها، مما دفع الكونغرس إلى التحرك، فصدر في 2010 قانون دود- فرانك، ووقّعه الرئيس أوباما، لتأسيس CFPB كمؤسسة مستقلة تراقب البنوك وشركات الإقراض وبطاقات الائتمان، وهو الأمر الذي تعتبره DOGE "عائقا أمام الكفاءة".

منذ بدايته، تعامل CFPB مع شكاوى المستهلكين عبر قاعدة بيانات إلكترونية، وأجرى أبحاثا، وكتب تشريعات، وأصدر إرشادات للمنتجات المالية التقليدية والناشئة. كما تولى التحقيق والمقاضاة واتخاذ إجراءات تنفيذية ضد الشركات التي تنتهك قوانين حماية المستهلك.

إعلان

وفي عهد مديره الثالث، روهيت شوبرا، أثبت CFPB فاعلية تجاوزت حدود التوقعات. فقد لاحق خدع وول ستريت ومنتجات البنوك الجشعة، وحقق انتصارات كبيرة، منها تسوية بقيمة 120 مليون دولار مع شركة نافينت؛ لممارساتها المسيئة في قروض الطلبة عام 2024، وأمر بدفع 3.7 مليارات دولار ضد ويلز فارجو، بما فيها غرامة مدنية بقيمة 1.7 مليار دولار؛ بسبب إعادة امتلاك سيارات بشكل غير قانوني وتجميد الحسابات.

لكن ما أرعب أباطرة التكنولوجيا حقا، هو مساعي CFPB لإخضاع منصات التكنولوجيا المالية (فينتك) لنفس الرقابة التي تُفرض على البنوك التقليدية. وقد أثار قراره بمراقبة المحافظ الرقمية وتطبيقات الدفع بين الأفراد- إلى جانب مقترحات لحماية البيانات الشخصية- غضب وادي السيليكون. إذ باتت Apple Pay وGoogle Pay وPayPal وCash App وX، التي تسعى إلى الدخول في مجال المدفوعات بين الأفراد، كلها مهددة برقابة CFPB. وهذا بالضبط ما لا تريده شركات التكنولوجيا الكبرى.

وهنا تظهر العلاقة الواضحة بين بعض أكبر ممولي حملة ترامب وشركات خاضعة لتحقيق CFPB، أو متضررة من قواعده. فقد قدم إيلون ماسك أكثر من 250 مليون دولار لدعم ترامب، وهو يملك شركة تسلا، التي سُجلت ضدها مئات الشكاوى في قاعدة بيانات CFPB.

كما قدم كل من مارك أندريسن، وبِن هوروفيتز خمسة ملايين دولار على الأقل لصالح لجنة سياسية داعمة لترامب، وهما من المستثمرين في شركة LendUp، وهي شركة إقراض يومي لاحقها CFPB بتهم ممارسات مضللة، وانتهى الأمر بأمر قضائي بدفع نحو 40 مليون دولار للمستهلكين.

حتى الآن، حصل موظفو المكتب على مهلة مؤقتة، لكن الإدارة أشارت إلى أنها ستبقي فقط على عدد رمزي من الموظفين لحماية ملايين العائلات من الاستغلال. ويعني تفكيك CFPB وتحجيم سلطاته انتصارا لـ"وول ستريت"، بينما يدفع الأميركيون الثمن.

وقد بدأت الكلفة بالظهور. فمنذ أن سيطر فريق ترامب على سياسة CFPB، ألغت محكمة فدرالية في تكساس، بناء على طلب المكتب نفسه، الحد الأعلى للغرامات المتأخرة على بطاقات الائتمان- وهو سقف قدره 8 دولارات كان من المتوقع أن يوفر للأسر أكثر من 10 مليارات دولار سنويا.

كما ألغى الكونغرس والرئيس قاعدة السحب على المكشوف لعام 2024، التي كانت ستحدد الرسوم عند 5 دولارات، أو تجبر البنوك على احتساب التكلفة الحقيقية فقط – وهو ما قد يُوفّر للمستهلكين نحو 5 مليارات دولار سنويا بحسب تقديرات CFPB.

علاوة على ذلك، تم إسقاط 22 قضية تنفيذية معلقة، كما ألغت الإدارة معظم أمر بقيمة 60 مليون دولار ضد Toyota Motor Credit، وتنازلت عن نحو 42 مليونا من تعويضات المستهلكين، وخفضت غرامة Wise US Inc من نحو مليوني دولار إلى نحو 45 ألف دولار فقط. أي أن عشرات الملايين من دولارات التعويض قد تبخّرت.

تُرك المستهلكون الآن يواجهون مصيرهم وحدهم. ورغم حنين المحافظين إلى "الأيام الخوالي"، فإن معظم الأميركيين يجدون أنفسهم يعودون إلى "الأيام السيئة القديمة"، حيث لا رادع لجشع الشركات، والقوانين تميل لمصلحة وول ستريت، والوصول إلى الائتمان يتراجع بسبب ديون طبية أو تعليمية.

إعلان

إلا إذا تحركت الولايات، ذلك أن بعض الولايات رغم افتقارها للموارد أو السلطة الكاملة التي كان يتمتع بها CFPB، ما زالت قادرة على ملاحقة بعض المنتجات والممارسات الجشعة. فبعد أن أضعف ترامب المكتب في ولايته الأولى، أنشأت ولاية كاليفورنيا "وزارة الحماية المالية والابتكار" DFPI، على غرار CFPB.

وفي 4 فبراير/شباط 2025، قدّم مشرّعو ولاية إلينوي مشروع قانون لمجلس الشيوخ رقم 1512 لإنشاء هيئة حماية المستهلك على مستوى الولاية، باقتباس النموذج الكاليفورني.

لكن حتى اليوم، لا يزال المشروع قيد الدراسة في اللجنة ولم يُحرز تقدّما. وتدرس ولايات ديمقراطية أخرى اتباع خطوات مماثلة أو إعادة تبني قواعد وإرشادات CFPB التي تم إلغاؤها مؤخرا.

وإذا ما نجحت بعض الولايات في تقوية قوانين حماية المستهلك لديها، فسيؤدي ذلك إلى فسيفساء من الحماية القوية في بعض الولايات والضعيفة في أخرى، ما يضر العائلات في الولايات الأضعف، ويجبر الشركات على التعامل مع قواعد مختلفة من ولاية لأخرى.

زوال CFPB سيُلحق الضرر بالأسر الكادحة، والمحاربين القدامى، وكبار السن، بينما ترتفع أرباح الشركات وتحتفل وول ستريت ووادي السيليكون. هذا هو المستقبل الذي يكتبه ترامب وماسك وحلفاؤهم: مستقبل تتحرك فيه الشركات المتوحشة بلا رقيب، ويُطلب من الأميركيين "شد الأحزمة".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق